الخميس، 7 مارس 2013

رسالة من الله * ـ د/ نوال العيد




لا تعجب حين تقرأ عنوان المقال؛ لأنك ستعذرني إذا وصلت آخره، فأنت في عام الألفين الذي يسمح لك أن ترى كثيرا من الغرائب، وأن تبلغ عجائب الدنيا سبعمائة بعد أن كانت سبعا، وأن تخرج هذه العجائب من عالم ماحول الإنسان لتكون في الإنسان نفسه، وترتبط ويا لخيبة الأمل بالخلفية الفكرية والثقافية له.
إن عالم اليوم عالم العولمة التي لابد أن نجعلها استثمارا لا دمار، وأن لا نجعلها  تعيد صياغة جهاز المفاهيم بحيث يصبح التفكيك هو السمة البارزة
، تفكيك العقل كي لا يصبح وحده المسؤول عن التفكير ، وتفكيك القيم كي لا تكون حاجزا يعيق تحقيق المصالح الشخصية والغرائز البشرية ، وتفكيك النظام حتى يمكن تمرير الأفكار الهجينة والشاذة ، وتفكيك الأمم والمجتمعات والدول حتى يعاد تشكيلها وبناؤها وصياغة قيمها من جديد، بل نسعى لجعل العولمة أفقا رحبا وبابا واسعا لثورة علمية، وبعد أخلاقي وإنساني، ومنبرا لتعريف العالم بأسره بقيم الإسلام الحق ومبادئه، ولكن ما يحدث اليوم ومن خلال وسائل التكنولوجيا يعكس خلاف ذلك.
راجع اليوم رسائل جوالك لترى الاستغلال السيئ لهذه الوسيلة من قبل جاهل بسيط أو جاهل مركب، والدعوة في عالم العولمة إلى الخرافة والبدعة بدافع حب الخير، والمتقرر عند جماهير العلماء أن النية لاتبرر العمل، بدليل قول الحق جل وعلا  :" وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى" فهاهي نواياهم كانت صالحة  تسعى للتقرب إلى الله زلفى إلا أن العمل كان يناقض ماقالوه؛ لأن الله لم يشرع التقرب إليه عن طريق ما اتخذوه من أولياء، وعليه فإن كثيرا ممن يحب نشر الخير عن طريق معلومة خاطئة يظن بها أنه يبني ، إنما هو في حقيقة الأمر  يهدم ويخالف أمر الله وشرعه، لأنه سبحانه نهى أن يقفوا الإنسان ما ليس به علم، وأمر بالدعوة إليه على بصيرة، وبحكمة، ورأس الحكمة أن تعلم ما تدعو إليه، وأمر بسؤال أهل الذكر عند عدم العلم، وما ذاك إلا تربية للمرء على المنهج العلمي الصحيح في نشر الخير، وأن يسعى  لثقافة الأجر بعد النشر لا الوزر بعده، ولكن الواقع اليوم يعكس دعوة بعض الناس إلى ضلالة.
لقد فجأني ليلة السبت وصول رسالة على هاتفي الجوال معنونة بـ:" الله" أعدت قرأت المرسل لعلي أكون مخطئة، فخاب ظني، وإليك نص هذه المهزلة :" لو ضاق عليك الحال، وساءت الأحوال، قصر العمر أو طال، مالك غير الله" لقد استوقفتني الرسالة كثيرا بدأ بالاسم الذي اختاره المرسل، ومرورا بنص الرسالة، وختاما بالتخلف العلمي الذي قاد مرسلها لنشرها، وأدركت أننا أمام أزمة علمية لابد أن نسعى فيها لتصحيح كثير من المبادئ التي اعتقدها الناس، لأن لزوم الأدب مع الرب سبحانه واجب، ونسبة النصوص إلى الله توقيفية، ولو أن أحدا ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب في مطلعه قال الله، لأنكر ذلك عليه، مع أن الله نص في كتابه على أن السنة وحي يقول تعالى :"وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" وماذاك إلا لأن النص من رسول الله وإن كان المعنى من الله، فما ظنك برسالة يعنونها صاحبها بــ :" الله" بقصد شد الانتباه، أو البحث عن الغرابة والجدة، بعيدا عن تعظيم مقام الرب جل جلاله.
ليس المهم أن تسعى لنشر الخير، بل الأهم أن يكون ماتنشره خيرا، وإلا وقعت في حبائل الشيطان ومكائده، وأصبحت من جنده من حيث لاتشعر، والمراجع لكتب السلف يقف على أن العلم ركن الدعوة إلى الله بعد إخلاص القصد، بل إنهم رسموا منهجا للتلقي والطلب، عن طريق  المثافنة للأشياخ، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب، والأول من باب أخذ النسيب عن النسيب الناطق، وهو المعلم أما الثاني عن الكتاب،ومن كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه،  والعلم صنعة، وكل صنعة تحتاج إلى صانع، فلا بد إذاً لتعلمها من معلمها الحاذق.
فهل يعي كل محب للخير ضرورة العلم قبل النشر، وأن لا يعتمد على بضاعة مزجاة يجمعها من بطون الكتب ومواقع الانترنت دون أن يتثبت من صحتها، وأن يثبت العرش ثم ينقشه، وقد كان لي مقال سابق عنونته بـ:" وكالة انشر تؤجر" واليوم برسالة من الله، آملة أن نستثمر رسائل الجوال في كل صحيح نافع؛ لأن الكلمة أمانة.
إضاءة:
ومامن كاتب إلا سيفنى                        ويبقي الدهر ماكتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شئ                     يسرك في القيامة أن تراه

ليست هناك تعليقات:


حينما تكبل فئة من الناس الذنوب وتغمس أفئدتهم في مستنقع الشهوات من عفن الغناء إلى صخب وانحطاط المشاهد وإدمان النظر إلى المومسات ... حينها يطلق قلمي العنان لرحلة المشتاق إلى بلاد الأشواق ... حيث اللذة الدائمة والنعيم المقيم ياأهل الدنيا